تشتقّ كلمة "بياتزو" piezo من الكلمة اليونانية "بيازيين" piezein والتي تعني الضغط. وبالنسبة إلى مهندسي الكهروميكانيك، تدّل هذه الكلمة على عملية وصل مزيجٍ متقدّمٍ من البلّورات الموضوعة داخل مادّةٍ رفيعةٍ جدّاً بتياراتٍ كهربائيةٍ متناوبةٍ ممّا يتسبّب بارتجاجها كغشاء مكبّر صوت. وتُعرَف هذه العملية باسم التأثير الكهرو-ضغطي Piezoelectric Effect.
تصوير أداء مادّة المرّكب النانوي الكهرو-ضغطية (الصورة من greenoptimistic.com)
وبالنسبة إلى المخترعَين ماهر ميمون وتالا نصراوين، فإنّ مبدأ الكهربائية الضغطية piezoelectricity هو ما يقف خلف شركتهما "سولار بياتزوكلين" Solar PiezoClean، التي يظنّان أنّها الوسيلة التي ستسمح لقطاع الطاقة الشمسية الذي يزداد انتشاراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتخطّي أحد أكبر التهديدات التي تواجه فعّالية الألواح الشمسية في المنطقة: إنّه الغبار.
الغبار المتراكم يغطي الألواح الشمسية بعد عاصفة رملية (الصورة منonlinecleaningsolutions.com.au)
مشكلة الغبار
تخيل حقلاً شمسياً يتلألأ على مساحة من الصحراء. وكمثال على ذلك، لنأخذ محطّة الطاقة الشمسية الفولتضوئية في محافظة معن في الأردن Shams Ma’an Solar PV Power Plant التي تولد طاقةً بقدرة 50 ميجاوات بواسطة 34 مصفوفةٍ من ألواح الطاقة الشمسية تحتوي كلٌّ منها على ما يقارب 20 ألف لوحة فولت-ضوئية. والآن تخيّل عاصفةً رمليةً بحجم تلك التي ضربت شبه الجزيرة العربية في نيسان/أبريل، والتي امتدَّت في خلالها غيوم الغبار فوق كلٍّ من السعودية وعُمان والإمارات وشرق الهند وباكستان، في 7 أيامٍ فقط. فعاصفةٌ رمليةٌ كهذه تستطيع تغطية حقلٍ شمسيٍّ بأكمله وتترك خلفها تراكماتٍ على الألواح، ما يقلّل من فعاليتها بنسبةٍ قد تصل إلى 30%.
وبحسب ميمون، مؤسِّس شركة "سولار بياتزوكلين" ومديرها التنفيذيّ، فإنّه "مع مرور الوقت، يؤثر تراجع فعالية الألواح الشمسية الناتج عن تراكم الغبار على امتصاص أشعة الشمس، ويؤدّي إلى خسارةٍ تقارب 40% من رأس المال الاستثماري للمشروع، ناهيك عن الخسارة المضافة الناتجة عن انقطاع الطاقة."
وبحسب ميمون، مؤسِّس شركة "سولار بياتزوكلين" ومديرها التنفيذيّ، فإنّه "مع مرور الوقت، يؤثر تراجع فعالية الألواح الشمسية الناتج عن تراكم الغبار على امتصاص أشعة الشمس، ويؤدّي إلى خسارةٍ تقارب 40% من رأس المال الاستثماري للمشروع، ناهيك عن الخسارة المضافة الناتجة عن انقطاع الطاقة."
ازدهار قطاع الطاقة الشمسية
راحَت مشاريع الطاقة الشمسية تنتشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحيث يمكن أن تصبح فرص المبتكِرين لتقديم منتَجاتٍ أو خدماتٍ ذات قيمةٍ مضافة أكبر من أي وقتٍ مضى. ففي عام 2015، شهدَت الأردن وحدها 12 مشروعاً قائماً للطاقة الشمسية كجزءٍ من الجولة الأولى من مناقصات المملكة الهاشمية. وبينما بدأ قطاع الطاقة الشمسية يزدهر في الأردن، يُتوقَّع إجراء جولاتٍ أخرى من المناقصات في المستقبل.
وعلى امتداد المنطقة، من المتوقع أن تبلغ القدرة الجديدة لإنتاج الطاقة الشمسية أكثر من 1500 ميجاوات، في عام 2015، كما سيكون هناك أكثر من 40 مشروعاً جديداً بقدرة إنتاجٍ تفوق 10 ميجاوات، بالمقارنة مع ثلاثة مشاريع لا غير عام 2013. أمّا الشركات الناشئة القادرة على تحديد الفجوات في سلسلة القيمة للطاقة الشمسية، كأنظمة التنظيف البخسة والفعالة للألواح، مثل "بياتزوكلين"، فمن المؤكد أنها ستكون ذات قيمة في هذا القطاع النامي.
حقل شمسي على أساس المنفعة يولد الطاقة من شمس الصحراء (الصورة منpvinsiderdrupalfs.s3.amazonaws.com)
كيف يعمل؟
تتألف تكنولوجيا "سولار بياتزوكلين" من مادّةٍ ضغطية متقدّمة على شكل ورقةٍ بلاستيكيةٍ رفيعةٍ ومجهّزةٍ بأسلاكٍ تنقل التّيار الكهربائي. ولدى تركيبها فوق الألواح الشمسية، تشكّل المادة الضغطية حاجباً بين اللوحة والغبار، بحيث يمكن تفعليلها لتبدأ بالارتجاج بفعل التيار الكهربائي وتزيل طبقة الغبار عن اللوح لتسقط على الأرض.
ولكن لم يكن من السهل إيجاد المادة المناسبة لهذه الغاية. فحسبما يقول ميمون، إنّ التحدي كمن في "التعرّف إلى المادّة التي تملك أقلّ تأثيرٍ ممكنٍ على قدرة اللوح على امتصاص الضوء. فقد وجب أن تكون شفّافةً، كما كان من الضروريّ إيجاد جسمٍ ليّنٍ بما يكفي ليوضع فوق الألواح مهما كان شكلها وحجمها." وأضاف أنّه "من المهم توافر هذه المادّة بسعرٍ مقبول، لأنّها ستركّب بشكلٍ دائم." ولعلّ النقطة الأكثر أهمّيةً تكمن في أن تكون هذه المادة طاردةً للماء، لكي لا يتحول المطر والغبار إلى وحل فوق اللوح.
تعمل المادة الطاردة للماء على جعل القطرات تتجمع وتتساقط عن الألواح الشمسية (الصورة مأخوذة منasme.org)
البداية
عندما كان يدرس للحصول على شهادة الماجستير في هندسة الطاقة من جامعة شيكاغو، خطرَت الفكرة لميمون باستخدام التكنولوجيا الكهروضغطية لإبقاء الألواح الشمسية نظيفة. وبعدما تخرّج عام 2013، أمضى السنتَين الماضيتَين يعمل في البحث وتطوير "سولار بياتزوكلين" بالتعاون مع أستاذٍ جامعيٍّ متخصّصٍ في التكنولوجيا الكهروضغطية، في "مختبر أرغون الوطني" Argonne National Laboratory في ولاية ألينوي الأميركية. إثر ذك، أدرك ميمون أهمّية البحث والتطوير والاختراعات المسجّلة باسم البروفيسور، فقام بمبادرةٍ ناجحةٍ للبحث عن استعمال تجاري لهذه التكنولوجيا. ويقول هذا الرائد الذي اعتمد على تعليمه لإشباع حبّه للإبداع والريادة واعتبرهما أمراً بديهياً: "لا أحب أن أقوم بأيّ أمرٍ تقليدي، كنتُ أفّكر في طريقةٍ تسمح لي بالتميّز وتقديم اختراعٍ يعود بالفائدة على منطقتي."
العودة إلى الديار
لإيجاد موارد وفرص تمويل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أتى ميمون ونصراوين بـ"سولار بياتزوكلين" إلى الأردن كجزءٍ من "جائزة الملكة رانيا الوطنية للريادة" لعام 2015 Queen Rania National Entrepreneurship Competition، والتي فازا بالجائزة الأولى فيها في بدايات حزيران/يونيو. ووفقاً لميمون، "إذا كنتَ قادراً على الذهاب إلى البلد المعنيّ، فستبدو المشكلة أكثر وضوحاً وسيصبح من السهل إيجاد المستثمرين الذين يفهمون حاجات الشركة."
بعد تمضية أكثر من 3 سنوات تقريباً في "مختبر أرغون الوطني" يجريان أبحاثاً حول هذه التكنولوجيا والحلول المتوافرة في السوق، أصبح الباحثان جاهزَين لاتّخاذ الخطوة التالية. ويقول ميمون بهذا الصدد: "لدي بعض المعارف والعلاقات، ولدينا فريق ونملك هذه التكنولوجيا، غير أنّ العامل الوحيد الذي ينقصنا الآن هو التمويل المتوافر في المنطقة. نحتاج إلى جولةٍ أولى من التمويل للقيام بتجربةٍ على ألواحٍ فعلية قيد التشغيل في المنطقة، ونحتاج إلى القيام بدراسةٍ لمراقبة الألواح." وبالنسبة إليه، يعتبر الحصول على براءة اختراع خطوّة مهمّة أيضاً، لأنّه "في هذه المنطقة، إن لم تحمِ أفكارك فستضيع."
الحل: التصميم والفعالية والتكلفة
تعتبر اليوم الحلول المتوافرة لتنظيف الألواح الشمسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غير متطوّرة وغير فعالة. ففي مجمل الحالات، يكلَّف رجلٌ يحمل ممسحةً مطّاطيةً ودلواً من الماء بتنظيف الألواح واحداً تلوى الآخر بعد عاصفة رملية. "في حين يستخدم الجميع الماء، فإنّ التكنولوجيا الخاصّة بنا لا تستهلك أيّ ماءٍ خلال عملية التنظيف، بحسب ميومن الذي اعتبر أنّ "دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والولايات المتّحدة الأميركية تشكّل سوقاً لاختراعنا، وبخاصّةٍ أماكن مثل كاليفورنيا التي تعاني من مشاكل كبيرة في شحّ المياه. وكذلك مثل السعودية، حيث يجب أن تمتلك التكنولوجياالصحيحة لتنظيف الألواح باستعمال أقلّ قوّة بشرية وموارد طبيعية ممكنة."
عامل ينظف الألواح الشمسية يدوياً بعد عاصفة رملية (صورة مأخوذة من emirates247.com)
إنّ نشر أيّ تكنولوجيا لا تحتاج إلى يدٍ بشريةٍ عاملة يجب أن يترافق مع مناقشةٍ لتكاليف استبدال اليد العاملة بالآلة وما إذا كانت تفوق المنافع أم لا. وفي هذا الإطار،إنّ تنظيف الألواح الشمسية بهذه التقنية الكهروضغطية يتّسم بالفعالية ولا يتطلب ماءً من جهة، ويزيل الحاجة إلى موظّفٍ يحمل ممسحةً من جهةٍ أخرى. وبالنسبة إلى المبتكِرين والمطوّرين في عالم مشاريع الطاقة الشمسية المهتمين بالاستفادة من وفرة الطاقة المتجدّدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنّ الهدم الخلاق وخسارة الوظائف الناتجة عن تطوّر تكنولوجيا تنظيف الألواح الشمسية قليلَين جدّاً بالمقارنة مع الأرباح الاقتصادية والبيئية. ويقول ميمون إنّ "مشاكل التصميم ومشاكل الماء والتحدّيات المرتبطة بالفعالية نحلّها كما نقلّل من تكلفة العمل بواسطة الحلول المستدامة."
الجيل الثاني من "سولار بياتزوكلين"
تتمتّع "سولار بياتزوكلين" بقدرةٍ على استخدام الإنترنت الصناعي، وهذا يعني استعمال المستشعِرات والبيانات لتحسين استخدام الألواح الشمسية في بيئاتٍ محدّدة. ويقول ميمون إنّ "هذه الفكرة تكمن في وضع مجموعةٍ من المستشعِرات داخل المادّة الضغطية بالإضافة إلىوضع بامجيةٍ في خادمٍ يجمع معلوماتٍ ترشد العملاء إلى كيفية ووقت استعمال التكنولوجيا الكهروضغطية، للاستفادة من الاستثمار إلى أقصى حدّ." وهذا الأمر يعني إدخال مستشعراتٍ ضمن المادّة الضغطية تستطيعُ قياس الظروف الخارجية للّوحة الشمسية، ومن ثمّ جمع هذه القياسات مع بيانات الطقس للتنبّؤ بالعواصف الرملية والحؤول دون وقوع أيّ خسارة عند حدوثها.
الجمع ما بين المستشعرات والبيانات والتحاليل البرمجية خطوةٌ واعدة لـ"سولار بياتزوكلين" (الصورة منece.vt.edu).
يدرك ميمون أنّ احتمال استخدام الإنترنت الصناعي لا يزال بعيداً من المسار الحالي الذي تسلكه الشركة. ومع ذلك، يذكر أنّه تكلم مع شركة "طقس العرب" Arabia Weather حول إمكانية استخدام بيانات الطقس، خصوصاً التي تتعلّق بالعواصف الرملية، بهدف زيادة أهمّية "سولار بياتزوكلين" في قطاع الطاقة الشمسية الذي تزدهر في المنطقة.
تعبيراتتعبيرات